السبت، 26 ديسمبر 2015

إيلي كوهين الجاسوس الاسرائيلي الذي كاد ان يصبح رئيسًا لسوريا..

اسمه بالعبرية الياهو بن شاؤول كوهين الذي يعرف إعلاميا باسم "ايلي كوهين المولود في 26 ديسمبر /كانون الأول من عام 1924 وأعدم يوم 18 مايو/ايار 1965 وتصادف هذه الأيام الذكرى الخمسين لإعدامه، وهو يهودي ولد بالإسكندرية التي هاجر اليها أحد اجداده سنة 1924. وعمل جاسوسا لإسرائيل في سوريا لسنوات طويلة وكان يعرف باسم كامل امين ثابت.
"ايلي كوهين - الاول من اليسار اثناء المحاكة في دمشق 1965"
في عام 1944 انضم ايلي كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية وبدا متحمسا للسياسة الصهيونية على البلاد العربية، وفي سنة وبعد حرب 1948 اخذ يدعو مع غيره من اعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين وبالفعل في عام 1949 هاجر أبواه وثلاثة من أشقاءه إلي إسرائيل بينما تخلف هو في الإسكندرية. وقبل ان يهاجر إلى اسرائيل عمل تحت قيادة (إبراهام دار) وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود علي الهجرة وتجنيد العملاء، واتخذ الجاسوس اسم "جون دارلينج" وشكل شبكة للمخابرات الإسرائيلية بمصر.
وفي عام 1954 تم إلقاء القبض على أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عرفت حينها بفضيحة لافون، وبعد انتهاء عمليات التحقيق كان إيلي كوهين قد تمكن من إقناع المحققين ببراءة صفحته إلي أن خرج من مصر عام 1955 حيث التحق هناك بالوحدة رقم 131 بجهاز "أمان" لمخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي ثم أعيد إلى مصر ولكنه كان تحت عيون المخابرات المصرية التي لم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء حرب سيناء أكتوبر 1956.
تجنيده في إسرائيل
بعد الإفراج عنه هاجر إلى إسرائيل عام 1957، حيث استقر به المقام محاسبا في بعض الشركات، وانقطعت صلته مع جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلية "أمان" لفترة من الوقت،, ولكنها استؤنفت عندما طرد من عمله وعمل لفترة كمترجم في وزارة الدفاع الإسرائيلية. ولما ضاق به الحال استقال وتزوج من يهودية من أصل مغربي عام 1959. وقد رأت المخابرات الإسرائيلية في ايلي كوهين مشروع جاسوس جيد فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر، ولكن الخطة ما لبثت أن عدلت، ورأي أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو دمشق. وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد، ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه علي التكلم باللهجة السورية، لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في الإسكندرية.
ورتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقة يبدو بها مسلماً يحمل اسم "كامل أمين ثابت" هاجر وعائلته إلى الاسكندرية ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947 وفي عام 1952 توفى والده في الارجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة أشهر وبقي كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة.
وتم تدريبه على كيفية استخدام اجهزة الارسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري كما راح يدرس في الوقت نفسه كل اخبار سوريا ويحفظ اسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة. وتم تعليمه أصول الآيات القرآنية وتعاليم الدين الإسلامي.
وفي 3 فبراير 1961 غادر ايلي كوهين إسرائيل إلى زيوريخ، ومنها حجز تذكرة سفر إلي العاصمة التشيلية سنتياجو باسم كامل أمين ثابت، ولكنه تخلف في بوينس آيرس حيث كانت هناك تسهيلات معدة سلفا لكي يدخل الأرجنتين بدون تدقيق في شخصيته الجديدة.
وفي الارجنتين استقبله عميل اسرائيلي يحمل اسم "ابراهام" حيث نصحه بتعلم اللغة الاسبانية حتى لا يفتضح امره وبالفعل تعلم كوهين اللغة الاسبانية وكان ابراهام يمده بالمال ويطلعه على كل ما يجب ان يعرفه لكي ينجح في مهمته. وبمساعدة بعض العملاء تم تعيين كوهين في شركة للنقل وظل كوهين لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية كرجل أعمال سوري ناجح فكون لنفسه هوية لا يرقى إليها الشك، واكتسب وضعا متميزا لدى الجالية العربية في الأرجنتين، باعتباره قوميا سوريا شديد الحماس لوطنه وأصبح شخصية مرموقة في كل ندوات العرب واحتفالاتهم، وسهل له ذلك إقامة صداقات وطيدة مع الدبلوماسيين السوريين.
وطلب إليه ارتياد النادي العربي في بوينس أيرس للتعرف على بعض السوريين، وممن تعرف عليهم عبداللطيف الخشن رئيس تحرير جريدة "العالم العربي" التي تصدر باللغة العربية، وقادته هذه المعرفة إلى التعرف على كثيرين من رجال الأعمال السوريين وحضور الكثير من الحفلات التي تقيمها الجالية العربية والبعثات الدبلوماسية وبناء على توجهات مدربه، أخبر كوهين الخشن في شهر مارس/اذار عن نيته القيام بجولة في بعض الدول العربية للترويج للشركة السياحية التي يعمل فيها، وزوده الخشن برسائل إلى أصدقائه ومن بينها رسالة إلى ابنه كمال في دمشق يوصيه فيها الاهتمام بـ "كامل أمين ثابت".
عاد كوهين في شهر ديسمبر/كانون الأول 1961 إلى تل أبيب، وتم تدريبه على الاستقبال بواسطة مسجلة أما الإرسال فبواسطة جهاز إرسال، وتم تدريبه، أيضاً، على الأجهزة التي سوف يدخلها معه إلى سورية. غادر كوهين مجدداً تل أبيب إلى أوربا، وفي مطلع الشهر الأول من عام 1962 تم في مدينة جنوة الإيطالية تعارفه على عميل حلف الناتو وعميل ال C.I.A السوري ماجد شيخ الأرض، وهنا سلَم المسؤول عن ترتيب لقاء التعارف لماجد سيارة من نوع أوبل خبئت فيها الأجهزة التي اصطحبها معه كوهين، وفي أوائل يناير/ كانون الثاني 1962 أبحر العميلان (حيث تم التعارف على أن كامل أمين ثابت عميل في حلف الناتو) مع السيارة على متن الباخرة اسبريا من جنوة ووصلا ميناء بيروت في 8/1/1962.
اتصل ماجد شيخ الأرض صباح اليوم الثاني من وصولهما إلى بيروت مع صديقه الموظف في الأمن العام نصر الدين وانلي، وطلب منه ضرورة الحضور إلى مركز الحدود في جديدة يابوس لمساعدته بإدخال سيارته، وتم الاتفاق بينهما على أن يكون بانتظاره صباح يوم 10/1/962، وبهذه الطريقة تم دخول كوهين مع أجهزته إلى سوريا.
وتعرف في دمشق على منزل كمال الخشن وسلمه الرسالة الموجهة إليه من والده، كما تعرف من خلال تردده إلى بيت الخشن على جاره معذى زهر الدين ابن شقيقة قائد الجيش عبد الكريم زهر الدين. وعن ماجد شيخ الأرض، فإنه كان يعيش في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، ولما كشف أمره بأنه يعمل على تهريب اليهود منها مقابل عمولة من المال هرب إلى فرنسا وهناك جندته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية واستخدمته في كوريا، وبعد انتهاء الحرب الكورية، أُعيد إلى أوربا الغربية واستخدم لتنفيذ المهمات التي يكلف بها من قبل الوكالة.
كانت المهمة الرئيس لكوهين في دمشق التعرف على مكان إقامة ألويس برونر مساعد أيخمان، الذي التجأ إلى سوريا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ورسم الخطط لخطفه، وكان بونر قد استعار اسماً له هو جورج فبشرد وفتح مكتباً له مع شريكين أحدهما ألماني والآخر سوري، فؤاد لطيف، وعمل مكتبه بتجارة السلاح، "استورد أسلحة لصالح جبهة التحرير الجزائرية"، وهاجر برونر إلى مصر بعد فترة قصيرة من وصول كوهين إلى دمشق. تردد كوهين في دمشق على الأماكن التي يتواجد فيها الأجانب علّه يتعرف على ألويس برونر، وعلى السفير البلجيكي السابق دوسان.
عمل السفير دوسان مع أجهزة الأمن في الإقليم الشمالي (سوريا) وقام أثناء الحرب الأهلية في لبنان 1958 بتهريب الأسلحة ولأكثر من مرة في سيارته الدبلوماسية من دمشق إلى لبنان لصالح القوى المناوئة لكميل شمعون، ولما اكتشف أمره حصل على حق اللجوء السياسي في سورية وأقام في قرية عرنة بجبل الشيخ.
لما فشل كوهين خلال الأشهر الستة الأولى من التعرف على مساعد أيخمان استدعاه جهاز الموساد إلى إسرائيل، وبعد أن أطلع رؤسائه على ما يقوم به وعلى أسماء الأشخاص الذين تعرف عليهم مثل جورج سيف المغترب العائد من الأرجنتين والمذيع في البرنامج الإذاعي الموجه إلى المغتربين في أمريكا اللاتينية باللغة اللاتينية، وعمر الشيخ طالب الطب الهارب من الأرجنتين بعد الانقلاب على حكم الجنرال بيرون، ومعذى زهر الدين الموظف في وزارة الشؤون البلدية والقروية وغيرهم، عاد كوهين مجدداً إلى دمشق، بعد أن طلب منه المسؤول عنه تمتين علاقته مع كل من كمال الخشن وجورج سيف ومعذى زهر الدين وهيثم القطب الموظف في المصرف المركزي وصاحب المنزل الذي استأجره كوهين في أول شارع أبي رمانة. وحددت مهامه الأساسية بإبلاغ المركز عن: (1) أية حركات عسكرية يسمع بها أو يطلع عليها مهما بدت بالنسبة إليه عادية وغير ذات قيمة. (2) الأخبار الاقتصادية والسياسية، والتركيز عليها. (3) أهم الشائعات المتعلقة بالوضع السياسي والعسكري والاقتصادي.
وكان رفيق دربه طيلة عهد الانفصال هو الملازم أول معزى زهر الدين - ابن أخت اللواء عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش آنذاك، هو من كان خدينه في الغدو والتراوح، في الجبهة وخارجها، ومع البنين والبنات، وربما من دون إذن الخال الذي عُرف "بنجابته" و"سمو" شأنه. خلف معذى في تلك المهمة سليم حاطوم، بعد أن وثب البعث إلى السلطة وانفرد بها.
اعتمد كوهين على هؤلاء الأشخاص الثلاثة بشكل رئيس للحصول منهم على المعلومات المطلوبة، كما أن جورج سيف استضافه في برنامج إذاعي وكان يزوده بالمعلومات السياسية، والقطب كان يستقبله في المصرف المركزي ويجاوبه على كل أسئلته المالية والاقتصادية، وبعد استدعاء معذى للجيش بعد الثامن من آذار/مارس وتعيينه قائداً للحرس القومي في إدلب استضافه وقاما معاً بزيارة المنطقة الحدودية السورية - التركية في المحافظة، وكان كوهين يستضيف معذى في منزله كلما زار دمشق.
أعلن كامل امين ثابت (ايلي كوهين) أنه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعيا الحب للوطن. وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق، تلقت أجهزة الاستقبال في جهاز المخابرات العسكرية في إسرائيل "أمان" أولى رسائله التجسسية التي لم تنقطع على مدى ما يقرب من ثلاث سنوات، بمعدل رسالتين على الأقل كل أسبوع. وفي الشهور الأولى تمكن كوهين أو كامل من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة مع ضباط الجيش والمسئولين الحربيين. وكان من الأمور المعتادة أن يقوم بزيارة أصدقائه في مقار عملهم، ولم يكن مستهجنا أن يتحدثوا معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل، وأن يجيبوا بدقة علي أي سؤال فني يتعلق بطائرات "الميج" أو "السوخوي"، أو الغواصات التي وصلت حديثا من الاتحاد السوفيتي أو الفرق بين الدبابة تي ـ 52 وتي ـ 54، الخ من أمور كانت محل اهتمامه كجاسوس.
وفي سبتمبر 1962 صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان. وقد تمكن من تصوير جميع التحصينات بواسطة آلة التصوير الدقيقة المثبتة في ساعة يده، وهي احدى ثمار التعاون الوثيق بين المخابرات الإسرائيلية والأمريكية.
ومع أن صور هذه المواقع سبق أن تزودت بها إسرائيل عن طريق وسائل الاستطلاع الجوي الامريكية ، إلا أن مطابقتها مع رسائل كوهين كانت ذات أهمية خاصة سواء من حيث تأكيد صحتها، أو من حيث الثقة في مدى قدرات الجاسوس الإسرائيلي.
وفي عام 1964، زود كوهين قادته في تل أبيب بتفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة، وفي تقرير آخر أبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز تي ـ54، وأماكن توزيعها، وكذلك تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب. وازداد نجاح ايلي كوهين خاصة مع اغداقه الأموال على حزب البعث وتجمعت حوله السلطة واقترب من ان يرشح رئيسا للحزب او للوزراء!.
اكتشاف الجاسوس ايلي كوهن
في عام 1965، وبعد سنوات من العمل في دمشق، لاحظ السوريون أن الكثير من قرارات الحكومة السورية تصل إلى إسرائيل، ويتم بثّها في الإذاعة الإسرائيلية باللغة العربية. فهم السوريون فوراً بأن "جاسوساً إسرائيلياً مقرباً من القيادة السورية يعمل لمصلحة إسرائيل" وبدأوا بالبحث عنه. واستطاع السوريون عن طريق أجهزة روسية متطورة إيجاد المكان الذي يبث منه إيلي كوهين معلومات لإسرائيل. وتم القبض على ايلي كوهين وسط دهشة الجميع وأعدم هناك في 18 مايو 1965.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق